ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

النصوص الشريفة تؤكد على ضرورة تقصير الأمل

0:28 - April 22, 2024
رمز الخبر: 3495386
بيروت ـ إکنا: قد أكَّدت النصوص الشريفة على ضرورة تقصير الأمل مع المحافظة على أصل الأمل، ولا تناقض بين الأمرين، بل يجب على المرء أن يعيش عليهما، أملٌ يجنِّبه اليأس، وتقصير أملٍ يجنِّبه الغفلة والنسيان، أملٌ يبني به الدنيا، وتقصير أمل يبني به الآخرة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "قَصِّرُوا الْأَمَلَ يَخْلُصْ لَكُمْ الْعَمَلُ".
 
يضيق العيش في الدنيا من دون أمل، هذه حقيقة لا تُنكَر، لكن طول الأمل لا يقِلِّ سلبية عن عدمه، فإذا كان انعدام الأمل يوقِع الإنسان في اليأس والقنوط، ويثَبِّطه عن العمل، فإن طول الأمل لا يُنسيه أخرته وحسب، بل يؤدّي به إلى الغفلة عن مصالحه الواقعية، كما يؤدي إلى عدم الإفادة من مواهب الله له وأهمها العمر، إذ يُسوِّف العمل ويماطل، ويعمل على قاعدة: غداً وبعد غدٍ أعمل، إذ يعتقد أنه ما زال لديه متسع من الوقت، وأن لديه من العمر ما يمكنه أن ينجِز فيه الكثير.
لكن هذا الاعتقاد خاطئ جداً، إذ مَنْ يضمن أن يطول عمره، فالموت يأتي بغتة، ولا يُفرِّق بين صغير وكبير، لكلٍّ من البشر عمرٌ مقدرٌ من خالق البشر الله سبحانه وتعالى، ولكلٍّ منهم أجَلٌ لا يتأخَّر عنه ولا يتقدَّم عليه، ولو كانت الدنيا بأسرها طَوع أمره، ومَلَك من القدرة والقوة والصِّحَّة والعافية ما مَلَك، ومن يضمن له إن عَمَّرَ طويلاً أن يقدر على عَمِل ما يجب وإنجاز ما يرغب وبلوغ ما يطمح إليه، فقد يضعُف، وقد يفتقر، وقد يمرض، وقد يحدث له حادث يُغَيِّر مجرى حياته، وقد تتغير الظروف المحيطة به ويصير كريشة في مهب العواصف والأزمات.

لذلك أكَّدت النصوص الشريفة على ضرورة تقصير الأمل مع المحافظة على أصل الأمل، ولا تناقض بين الأمرين، بل يجب على المرء أن يعيش عليهما، أملٌ يجنِّبه اليأس، وتقصير أملٍ يجنِّبه الغفلة والنسيان، أملٌ يبني به الدنيا، وتقصير أمل يبني به الآخرة، أملٌ يؤمِّل معه أن يعيش عمر نوحٍ (ع)، وتقصير أمل يشعر معه أنه قد يموت بعد ساعة، وكلاهما يصنعان شخصاً في منتهى الإيجابية، ولا يُغني أحدهما عن الآخر، فلو أَّمَّلَ أن يطول عمره واكتفى بذلك لغفل ولَهى، ولو لم يؤمِّل لَيَئِس وقنط، وقد أبدع الإسلام في هذا التوازن الحكيم، رُوِيَ عن الإمام الحسَن المُجتبى (ع) أنه قال: "اعْمَلْ لِدُنْياكَ كَأَنَّكَ تَعِيْشُ أَبَداً، واعْمَلْ لآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَموتُ غَداً"  فبهذا التوازن الرائع يبني الدنيا كلها، يتطوَّر، وينمو، ويستكشف، ويستثمر، ويعمل دون كَلَلٍ ولا مَلَلٍ، وبه أيضا يبني آخرته، يجعل كلَّ ما يعمله لدنياه استثماراً لآخرته كذلك، فلا يغفل عن هذه ولا عن تلك، ولا يُعرِض عن هذه ولا يعرض عن تلك. 
 
جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: "عِبادَ اللَّهِ، إِنَّكُمْ فِي دَارِ أَمَلٍ، بَيْنَ حَيَاةٍ وَأَجَلٍ، وَصِحَّةٍ وعِلَلٍ، دَارِ زَوَالٍ، وتَقَلُّبِ أَحْوَالٍ، جُعِلْتُ سَبَباً لِلاِرْتِحَالِ، فَرَحِمَ اللَّهُ اِمْرَأً قَصَّرَ مِنْ أَمَلِهِ، وجَدَّ فِي عَمَلِهِ، وأَنْفَقَ اَلْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وأَمْسَكَ اَلْفَضْلَ مِنْ قُوتِهِ، فَقَدَّمَهُ لِيَوْمِ فَاقِتِهِ..."
 
وفي جوهرته الكريمة يشير الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى واحدة من النتائج العالية الإيجابية لتقصير الأمل وهي إجادة العمل، وإتقانه، وإتمامه، والإخلاص فيه، بمعنى تأديته خالصاً لوجه الله تعالى، لأن من يتوقع الموت في كل لحظة، ويعلم أن سعادته في الآخرة مرهونة بقبول الله لعمله، والله لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، فمن المؤكَّد أن يهتَمّ بعمله ويخلِصَ فيه.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha